مقدمة
إن الأعياد الدينية هي مناسبات اتفق أتباع دين معين على الاحتفال بمناسبة معينة فيه.
الكثير من هذه المناسبات يحتفل بها في تواريخ إعبارية. بمعني ان الحدث المحتفل به قد لا يكون قد حدث تاريخيا في هذا اليوم تحديدا ولكن اتُفِقَ على تعيين هذا اليوم للاحتفال به.
النقطة المهمة هنا هي اشتراك اصحاب الفكر الواحد في الاحتفال بالمناسبة محل الحديث. فالاولوية عند الاحتفال بالعيد هى استحضار المناسبة والانتفاع بمعانيها وليس بالضرورة التأريخ الاكاديمي للحدث.
مشكلة تاريخ عيد الميلاد المجيد
لست بصدد الدخول في شرح تفاصيل المشكلة (التي تم شرحها في العديد من الكتب والمقالات) لكن كل ما أود تسجيله في هذا المقال هي أن الطوائف المسيحية كانت تحتفل بالعيد في تاريخ موحد حتى القرن السادس عشر حينما قام البابا جريجوري الثالث عشر عام 1582م بتعديل التقويم الغربي ليزيد من دقة التقويم بينما استمر الشرق في التعييد في التوقيت القديم مما أدى إلى اختلاف ميعاد العيد بين الشرق والغرب.
دعوات توحيد ميعاد الاحتفال بالعيد
بين الحين والآخر تظهر دعوات لتوحيد الاحتفال بالعيد. هذه الدعوات تقتضي بتغيير موعد احتفال الكنائس الشرقية بالعيد والاحتفال به مع الكنائس التي تتبع التقويم الغربي وذلك بدعوى أن التقويم الغربي أدق في حسابته.
تقابل هذه الدعوات مقاومة شديدة من أصحاب الرأي القائل بأن التقويم الشرقي أدق. وهكذا تدور الدوائر كل سنة.
تساؤل هام
قبل الدخول في جدالات لن تنتهي ينبغي علينا أن نسأل انفسنا سؤالا هاما: هل نحن نتمسك بتاريخ يوم العيد من اجل تحقيق هدف فلكي معين؟ أم اننا نحتفل بالمعنى وراء العيد؟
إذا كنا نتمسك به من أجل الدقة الفلكية فلماذا لا تقوم الكنيسة القبطية رسميا بتكليف هيئات أكاديمية أو بحثية (مثل وكالة ناسا الفضائية) بفحص التقويم المصري القديم وأعطاء رأيا علميا في المشكلة؟
لماذا كل المتكلمين في الموضوع (سواء الموافقين أو المعارضين) هم من غير المتخصصين؟
ما لو كان سبب التمسك بميعاد العيد هو سببا دينيا فلماذا لا نضع في اعتبارنا احتياجات الشعب القبطي في مختلف الظروف؟
عيد الميلاد والأقباط في المهجر
يواجه الأقباط في المهجر موقفا معقدا وهو أن البلاد التي يسكنون فيها تحتفل بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر بينما يحتفلون هم يوم 7 يناير. هذه المشكلة – وإن كانت ليست قضية “خلاصية” – إلا أنها تتسبب في صعوبات حقيقية ينبغي أن تنظر لها الكنيسة الأم بعين الاعتبار.
لكن للاسف يتعامل الكثير من أقباط الداخل بسخرية شديدة من هذا الطرح ويعتقدون أن المنادين بتعديل موعد العيد ما هم إلا قلة ارتضت أن “تفرط في الايمان” وتبيع كنيستها…الخ لذا دعوني أعدد بعضا من الأسباب التي قد لا يراها أقباط الداخل بنفس عيد الاعتبار:
- الأسر المختلطة.
وهي الأسر التي يكون أحد طرفي الزواج قبطيا والآخر أجنبيا. في العادة تحتفل العائلة كلها بالكريسماس الغربي. فهل تعتقدون أنه من العملي ان يحتفل الطرق القبطي وحيدا بعدها باسبوعين؟ عمليا لا يحدث. وللعلم فإن هذه الزيجات المختلطة تحتاج لنوعية خاصة من الخدمة والرعاية حتى يصل الابناء للمسيح.
. - أبناء الجيل الثاني والثالث من أقباط المهجر
هذه الأجيال ولدت في المهجر. لا يتكلمون العربية وأكثرهم ربما لا يفهمها أصلا. أغلبهم يتزوج من ابناء وبنات البلد التي يقيمون فيها (وبالتالي يكونون أسرا مختلطة). يخدع نفسه من يظن أن هذه الفئات تتفهم أن عليهم الاحتفال بعيد الميلاد في تاريخ آخر حفاظا على تقويم مصري قديم هم لا يرتبطون به في شئ.
. - ظروف بعض الأقباط
احيانا قد لا يستطيع بعض الأقباط أخذ أجازة بمناسبة عيد الميلاد الشرقي وذلك لقرب الميعاد من الكريسماس الغربي واحتياج العمل لهم وبالتالي فقداس عيد الميلاد ليلة العيد لا يحضره بعض الأقباط لظروف العمل.
الاحتياجات الرعوية
حاول قداسة البابا تواضروس البحث في الأمور المذكورة وحاول نيافة الأنبا سرابيون مطران لوس أنجلوس تقديم حل بعمل صلاة عيد الميلاد المجيد مرتين. مرة ليلة 25 ديسمبر ومرة ليلة 7 يناير فسخر بعض أقباط الداخل من هذه المحاولات وهاجموها مهاجمة شديدة واصبح تعبير “الاحتياجات الرعوية” هو مثال للسخرية ولي هنا تساؤل هام:
ما هي الحلول والاقتراحات المقدمة من أقباط الداخل لخدمة الفئات المذكورة؟
عمليا هذه الفئات ستحتفل في الموعد الذي يناسبها حتي لو تجاهلنا المشكلة أو أوهمنا نفسنا أنها غير موجودة.
أيضا ليس كل قبطي مهاجر عنده نفس المشكلة أو يرتضي بنفس الحلول. وقد يحدث أن تستطيع أسر معينة التأقلم واقناع ابنائها بفكرة العيد الشرقي ولكني اتكلم عن الحالة العامة. كلما مر الوقت وكثر عدد الأجيال المولودة في المهجر كلما تفاقمت المعضلة أكثر.
الخلاصة
تكمن صعوبة هذه المشكلة أننا اذا رحلنا العيد ليكون يوم 25 ديسمبر فلن تكون لهذه الخطوة معنى بالنسبة لأقباط الداخل ولو تركناه يوم 7 يناير فبهاذا نتجاهل ان هناك فئات في اقباط المهجر ينفصلون تدريجيا عن الكنيسة الأم (حتى لو رفضنا تصديق هذا).
ولذلك فأنا شخصيا أرى أن أول خطوة في علاج هذه المشكلة يكمن في دراسة الموضوع من الناحية الفلكية دراسة اكاديمية دقيقة من متخصصين. فإن ثبت صحة التصحيح ليوم 25 ديسمبر فساعتها لن يكون التغيير عبارة عن “تنازل” منا عن تراثنا. أما إذا ثبتت صحة التقويم المصري بدقة تفوق التقويم الغربي فسيكون هذا بمثابة ركيزة قوية تساعنا على خدمة الفئات المذكورة أعلاه عن طريق تقديم اثبات علمي حديث لهم يدل على صحة تقويم كنيستهم بالاضافة لايجاد حلول خدمية أخرى لهم.
سلام يا أستاذي.. أرجو من حضرتك التكرم بمشاهدة عدة ڤيديوهات على الفروق بين التقاويم و تأثير ذلك على الأعياد و الأصوام الأخرى في الكنيسة القبطية..
الموضوع أعمق من مجرد عيد الميلاد لأن أساس التعديل الإغريغوري لم يكن فلكيا هو الآخر – كان هدف ديني من الدرجة الاولى.. منذ عام ١٥٨٢ م لم يعد يتوافق عيد الفصح الغربي مع ظهور النور المقدس سنويا بل و لغى الغربيون شرط ذبح الخروف اليهودي لأن عيدهم لم يصبح آتيا بعده منذ ذاك الحين..
لا أعتقد أن حضراتكم تدعون لحذف هذا الشرط أيضا أو تعييد عيد القيامة مع عيد الفصح الغربي بغض النظر عن إقتناع بعض العائلات المختلطة و ممارساتهم..
بالإضافة لما ذكرته تتعامد الشمس في كنيستين أثرتين في مصر يوم عيد مار جرجس و الملاك ميخائيل و في واحدة من هاتين في عيد العذراء.. عمر هاتين الكنيستين أكثر من ٥٠٠ سنة أي قبل التعديل الإغريغوري ولا تزال هذه الظواهر تحدث سنويا بغض النظر عن السنة إذا ما كانت بسيطة أو كبيسة..
لا أظن أيضا أن حضراتكم تدعون لإنفصال الكنيسة القبطية في المهجر عن مصر مثلا..
الموضوع له شقوق فرعية كثيرة جدا و لكن أكتفي بهذا الرد المختصر طالبا من حضراتكم مشاهدة ڤيديوهاتي في الروابط الآتية:
https://youtu.be/1gs-0s8h3UQ
https://youtu.be/27XvSAKZSl0
https://youtu.be/nswgcIUV968
مع الشكر و طلب صلواتكم