قصة قصيرة حزينة
كلما ذهبت إلى مكان عمل جديد في استراليا وجاءت فترة عيد الميلاد المجيد لابد ان أوضح لزملائي فكرة اننا نعيد في تاريخ آخر..الخ.
ذات مرة في أوائل فترة هجرتي دار الحديث المعتاد فرحت اشرح الأسباب والتاريخ (معتقدا أني سأبهر السامعين بعظمة ودقة تقويمنا..الخ).
فاستمع إلي أحد الزملاء(استرالي لا ديني) إلى أن انتهيت من الشرح ثم سألني باستغراب:
Why don’t Christians make it simple and celebrate together?!
اي: لماذا لا يجعل المسيحيون الأمر بسيطا ويحتفلون معا؟!
الحقيقة لقد صدمني السؤال ساعتها وتسائلت في قرارة نفسي كيف لهذا الشخص أن لا يرى أن موقفنا كأقباط هو الأصح واننا لم نغير شيئا وحافظنا على كذا وكذا…الخ
انتهى الموقف ساعتها لكن ظل تساؤل الرجل في ذهني لسنوات عديدة لأني أدركت ساعتها أن العالم لا يرانا بمنظور فكيف لنا -كمسيحيين- أن نقدم المسيح للآخرين ونحن لا نستطيع الاتفاق غلى يوم محدد نحتفل به سويا بميلاد المخلص!
هل توحيد العيد هو علامة على وحدة الإيمان؟
الموقف الرسمي للكنيسة القبطية هو أن الوحدة في العيد تأتي بعد الوحدة في الإيمان. لكن يظل التساؤل: هل التعييد في نفس اليوم يعني بالضرورة الوحدة في الإيمان؟ بالطبع لا.
فالكنيسة اليونانية تحتفل بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر بينما تحتفل به الكنيسة الروسية يوم 7 يناير. والكنيستان متحدتان في الإيمان فكلاهما من الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية.
على الجانب الأخر تحتفل كلا من الكنيسة القبطية والكنيسة الروسية بالعيد يوم 7 يناير بينما الكنيسة القبطية هي كنيسة أرثوذكسية غير خلقيدونية بينما الكنيسة الروسية هي كنيسة أرثوذكسية خلقيدونية.
أيضا ماذا سنفعل إذا قررت الكنيسة الكاثوليكية – فرضا – تغيير العيد ليكون 7 يناير؟ هل ستقوم الكنيسة القبطية والكنيسة الروسية بتغيير الاحتفال ليوم آخر لاننا لسنا في وحدة إيمانية مع الكاثوليك؟
طبعا وجهة النظر أن الوحدة في العيد تأتي بعد الوحدة في الإيمان هي وجهة نظر تحترم لكن المنادين بالتعييد في نفس اليوم لا ينادون بوحدة الصلاة في الكنائس وإذابة الخلافات إذابة لحظية بدون حساب.
المشكلة أن هذا الشرط معناه أنه عمليا لن يتم توحيد العيد أبدا… فلا توجد أي خطوات عملية لوحدة الكنائس الأرثوذكسية بعائلتيها وبالتالي فإن الوحدة الإيمانية مع الكاثوليك مثلا هي بعيدة بدرجة لا توصف. وحتى الاتفاقية التي وقعها قداسة البابا شنودة مع الكنائس الخلقيدونية حول طبيعة السيد المسيح لم تسفر عن أي تقارب على أرض الواقع ولم تتبعها إتفاقات أخرى. وبالتالي فهذا الشرط أغلق الطريق إلى ما لا نهاية.
ما هو العائق الحقيقي لتوحيد العيد، إذا؟
العائق الحقيقي في نظري هو عدم رغبة أي من الأطراف في القيام بالمبادرة لئلا يحسب عليهم هذا أنه تخلي عن الإيمان. فلو غير الكاثوليك الميعاد ستجد بعضا من الكاثوليك يتهمون رئاستهم الدينية بالتخلي عن كذا وكذا.. نفس الشئ في أي طائفة أخرى… وبالتالي تفضل القيادات الكنيسة في كل طائفة أن “يبقي الحال كما هو عليه” لحين حدوث معجزة.
أيضا قد لا تكون الوحدة من أولويات بعض القيادات في بعض الطوائف.
من الخاسر في هذا الموقف؟
المسيحية هي الخاسر الحقيقي في هذا الموقف.
فنحن نتمني أن يخلص الجميع ونتمنى أن نبشر الجميع..الخ ولكن الحقيقة أننا نقدم صورة معثرة لمن هم خارج الإيمان. كما أننا نقدم صورة معثرة للأجيال الجديدة التي تنشأ خارج الكنيسة الأم وتختلط بثقافات كثيرة. هذه الفئات ليست من أولوياتها الدفاع عن تقويم وقضية لا يفقهون فيها شيئا.
الديانات التقليدية (وبخاصة المسيحية) تخسر كثيرا الآن أمام تيارات الإلحاد واللا دينية. ولذلك فإن خطوة مثل توحيد عيد الميلاد قد يكون لها أثرا إيجابيا على صورة المسيحية وشعبيتها بين فئات كثيرة.
نقطة أخيرة
هذه المشكلة ليست خاصة بالكنيسة القبطية فقط بل هي مشكلة في كل كنيسة مسيحية.
كل كنيسة مسيحية تخاف على صورة المسيحية وصورة السيد المسيح وسط العالم عليها مسؤولية تقديم هذه الصور في أبهي شكل.
الغالبية العظمى ممن حولنا لا يأبهون بالاختلافات التاريخية بين التقاويم. هم فقط يرون طوائف مختلفة على أمور غير جوهرية.
ليت الله يمد يده إلى كنيسته يوما ما ويرفع عنها هذه الأمور.