مقدمة
استشهدت الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة يوم 11 مايو 2022 برصاص الجيش الاسرائيلي فتبارى الداعمون للقضية الفلسطينية في الترحم على شهيدة القضية.
بعدها بقليل انتبه هؤلاء إلى أن السيدة شيرين مسيحية الديانة فثارت على الإنترنت جدالات عنيفة في الأوساط الاسلامية حول جواز الترحم عليها لسبب كونها غير مسلمة.
قوبل هذا الجدال برد فعل واسع من المسيحيين (وبعد المسلمين) الذين استنكروا فكرة عدم الترحم على الشهيدة واعتبروا ذلك تعد على الانسانية وتدخل في ابديتها ومصيرها.
غير أن المسيحيين في دفاعهم عن السيدة شيرين تناسوا أن مبدأ الفرقة الناجية هو مبدأ متأصل في التعليم العقيدي لكل الطوائف تقريبا. وبالتالي فهم ليسوا بعيدين عن المشكلة التي أثارها أصحاب رأي عدم الترحم
ما هو مبدأ الفرقة الناجية؟
يؤمن المسلمون بحديث صحيح (بحسب قواعدهم لصحة الحديث) منسوب لنبيهم بأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. أي ان هناك فرقة واحدة فقط هي التي ستدخل الجنة لفهمهم لصحيح الدين بينما تضل باقي الاثنين وسبعين فرقة. وهذا الحديث هو أحد الأعمدة التي تتخذها بعض الجماعات سندا على أنهم أصحاب الطريق الصحيح وباقي الناس كفرة حتى وإن كانوا من أصحاب نفس دينهم.
الفرقة الناجية في المسيحية
لا يرد هذا المصطلح بنصه في كتب العقائد المسيحية وإن كان حاضرا بقوة في التعليم العقيدي لكل طائفة – بل وأحيانا داخل الطائفة الواحدة.
فالعالم المسيحي اليوم يتفرع إلى أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت وطوائف أخرى. تتفرع العائلة الأرثوذكسية إلى أرثوذكس خلقيدونيين (أي يعترفون بمجمع خلقيدونية المنعقد في الفرن الخامس) وأرثوذكس غير خلقيدونيين. ويتفرع الكاثوليك إلى عائلات فرعيه بينما يتفرع البروتستانت إلى عدد كبير جدا من الطوائف.
كل طائفة لا تعترف بكهنوت الطوائف الأخرى ولا أسرارهم (لأن الأسرار تقام بواسطة كهنة. فإن كان الكاهن غير معترف به فبالتالي السر نفسه باطل). هذا إن كانوا يعترفون بالأسرار أصلا.
بل وحتى داخل الطائفة الواحدة (كالأقباط الأرثوذكس مثلا) تجد فريقا يصف أحد الأشخاص “بالهرطقة” أي الخروج عن التعليم العقيدي السليم. وهذا المصطلح خطير جدا لانه يحمل تبعات الهلاك الأبدي للشخص المهرطق.
فنحن نجد من يتهم قداسة المتنيح البابا شنودة الثالث ونيافة المتنيح الأنبا بيشوي بالهرطقة. ونجد على الجانب الأخر من يتهمون المتنيح القمص متى المسكين بنفس الاتهام.
نجد من يكيل ذات الاتهام لقداسة البابا تواضروس الثاني أيضا.
هذا بخلاف العراك الذي لا ينتهي حول ما اذا كان نيافة المتنيح الأنبا إبيفانيوس شهيدا أم قتيلا. قبطيا أم مهرطقا…
وأمثلة أخرى لا تنتهي. لكن القاسم المشترك فيها كلها هي اعتقاد أصحاب كل رأي أنهم يدافعون عن العقيدة السليمة عن طريق إخراج أفكار أشخاص أخرى خارج الدائرة التي ينتسبون إليها.
ماذا عن شيرين؟
بتطبيق المفاهيم المقدمة أعلاه نجد أن شيرين (وغيرها من المسيحيين) هم من وجهة النظر الإسلامية في النار بدون جدال.
أما في وجهة النظر المسيحية فهي في النار عند كل طوائفها تقريبا ماعدا الطائفة التي تنتمى إليها وهذا وضع محير جدا.
ماذا عن مظاهر الحب من الطرفين؟
لا ننكر أن كثيرون قدموا مظاهر ومشاعر حب حقيقية لشيرين. ولكن هؤلاء قد عملوا هذا من منطلق شخصي بحت. فنحن هنا نبحث الوضع العقيدي ولا نحلل المشاعر الشخصية.
ما هو الحل إذا في الداخل المسيحي؟
هذه قضية لا يستطيع المؤمن المسيحي العادي حلها لأنها تتعلق بالعقيدة التي تؤمن بها كل طائفة. قديما كانت كل طائفة تتخذ موقفا صارما لحماية معتقداتها (بحسب مفهوم كل طائفة) ولم ينتبه رؤساء الطوائف في القديم لخطورة الانشقاق على المجتمع المسيحي لأن كل مجتمع كان منغلقا على نفسه ولم يكن من المعتاد أن يهاجر أبناء طائفة معينة بأعداد كبيرة لبلدان أخرى (مثلما يحدث الأن من هجرة لبلدان مثل أمريكا واستراليا) وبالتالي لم تكن هناك حاجة ملحة لحل مشكلة مصير “الآخرين” من الناحية العقيدية.
أما الآن فقد تجد نفسك مسيحيا وسط العديد من المسيحيين من طوائف أخرى يحيط بكم أشخاص من ديانات أخرى كثيرة (أو حتى ملحدين) وبالتالي فتقديم إيمانك لهم بانك الفرقة الناجية هو أمر غير عملي على الإطلاق.
هذه ليست دعوى للتساهل في المعتقدات ولكنها دعوى للتفكير في الأمور بطريقة تستطيع أن تواجه معطيات عصرنا الحالي. لابد للاهوتي كل طائفة أن يفكروا في هذه الأمور بطريقة موضوعية ولا يتركوا مسيحي كل طائفة للتصرف بحسب فهمهم الخاص. وإلا ستجد النتيجة كما حدث في قضية شيرين (وغيرها) وهو تطبيق مبدأ “أنا واخويا على إبن عمي وأنا وابن عمي على الغريب”…
أخيرا
أطلب النياح لروح المنتقلة وأصلي أن يرشد إلهنا المحب قادة كل كنيسة لمعالجة أمور الاختلافات الطائفية بروح مثمرة بناءة جامعة للمسيحيين غير مفرقة لهم.